بيان [كذب حديث : ((سبحان الذي زين الرجال باللحى...))] وفوائد فقهية
الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله أما بعد:
فقد اشتهر بين الناس حديث : ((سبحان الله الذي زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب)).
وتقول العامة : زينة الرجل في لحيته، وزينة المرأة في شعرها ...
ولا شك في أن اللحية من زينة الرجل ، والشعر من زينة المرأة ولكن الوجه أعظم زينة وأشرف ..
وقد سمعت بعض الناس يستدلون بالحديث المذكور على سنية إعفاء اللحية لأنه زينة!!
فأحببت في هذا البحث المختصر أن أبين بطلان الحديث المذكور ، وأنه لا حجة فيه لمن لم يوجب إعفاء اللحية ..
أولاً: تخريج الحديث
روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً :
أما المرفوع: فرواه الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب"(4/157-غير المسندة) من طريق الحاكم النيسابوري- كما في زهر الفردوس ولم يروه في المستدرك فلعله في تاريخ نيسابور-: أخبرنا ابن عصمة : حدثنا الحسين بن داود بن معاذ حدثنا النضر بن شميل حدثنا عوف عن الحسن عن عائشة -رضي اللهُ عنها- مرفوعاً : ((ملائكةُ السماءِ يستغفرونَ لذوائبِ النساءِ، ولِحى الرجال، يقولون: سبحان الله الذي زين الرجال باللحى، والنساء بالذوائب)).
وأما الموقوف ، فرواه ابن عساكر في تاريخ دمشق(36/343) : من طريق الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل: نا أبو عبد الله محمد بن معاذ بن فهد النهاوندي -وسمعته يقول: لي مائة وعشرون سنة، وقد كتبت الحديث، ولحقت أبا الوليد الطيالسي والقعنبي وجماعة من نظرائهم، ثم ذكر أنه تصوَّفَ، ودفن الحديث الذي كتبه أول مرة، ثم كتب الحديث بعد ذلك، وذكر أنه حفظ من الحديث الأول حديثاً واحداً وهو ما حدثنا به-: نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد بن زريع نا روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : (إن يمين ملائكة السماء: والذي زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب ))
الحكم عليه :
الحديث موضوع مرفوعاً وموقوفاً ..
أما المرفوع فآفته الحسين بن داود بن معاذ البلخي : اتهمه الخطيب البغدادي بوضع هذا الحديث وقال عنه: لم يكن ثقة؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس أكثرها موضوع" انظر تاريخ بغداد(8/44).
وقد ذكره المناوي في فيض القدير(6/14) : موقوفاً على عائشة -رضي اللهُ عنه- بلفظ : "كانت عائشة تقسم فتقول: والذي زين الرجال باللحى". ولا أعلم له أصلاً موقوفاً على عائشة -رضي اللهُ عنها- .والله أعلم
وقال عنه الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات(3/439-أضواء السلف) عنه وعن شخصين آخرين: يضعون الحديث.
وقال الذهبي في المغني في الضعفاء(1/171) : ليس بثقة، ولا مأمون، متهم.
وأما الموقوف فآفته محمد بن معاذ النهاوندي فإنه واهٍ متروك كما قال الذهبي في تاريخ الإسلام.
وقال الحافظ ابن عساكر : "هذا حديث منكر جداً وإن كان موقوفاً، وليت النهاوندي نسيه فيما نسي، فإنه لا أصل له من حديث محمد بن المنهال والله اعلم".
وحكم الشيخ الألباني -رحمهُ اللهُ- على الحديث بالوضع . انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(13/52-53رقم6025).
وذكره الفتني في تذكرة الموضوعات(160)
##############################
ثانياً : الاستدلال بالحديث
من أعجب ما سمعته من استدلال ، ما تكلم به بعض الدكاترة القضاة حيث جرى بيني وبينه نقاش في تحريم حلق اللحية ، فاستدل على عدم التحريم بهذا الحديث الموضوع مدعياً أن اللحية إنما هي زينة ، والزينة إزالتها لا تحرم!!
والجواب عن هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن الحديث موضوع مرفوعاً وموقوفاً ، ولا يجوز الاستدلال بالحديث الموضوع في فضائل الأعمال فضلاً عن الأحكام باتفاق العلماء.
الوجه الثاني: أن تحريم حلق اللحية قطعي وقد دلت الشريعة الإسلامية على تحريم حلق اللحية من أكثر من خمسة وجوه منها : أنها تغيير لخلق الله، ومنها أن الشرع أمر بإعفائها ، ولأن حلقها تشبه بالمشركين ، ولأن حلقها تشبه بالنساء، ولأن العلماء أجمعوا على حرمة حلقها والخلاف في التحريم حدث من بعض أهل البدع ثُمَّ سرى إلى بعض العلماء ، وهذا خلاف حادث بعد الإجماع فلا يعتد به اتفاقاً.
الوجه الثالث: أن كون اللحية زينة للرجال فهو حقٌ –وإن لم يصح الحديث-، وهذا يؤكد حرمة حلق اللحية لأن الله -عزَّ وجلَّ- أمر بأخذ الزينة عند الصلاة فقال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} إضافة إلى ما سبق من أدلة قاطعة على حرمة حلق اللحية.
الوجه الرابع: أن كون اللحية زينة لا يدل على أن هذه الزينة لا يجوز إزالتها أو كشف ما وراءها ، فإن جماعة من السلف والخلف فسروا وجوب أخذ الزينة عند الصلاة بستر العورة ، وعلى مفهوم الدكتور السابق لا يجب ستر العورة لأن سترها من الزينة!! وهذا فاسد بالإجماع.
الوجه الخامس: أن العلماء الذين استدلوا بالحديث المذكور –وهو موضوع- استدلوا به على عكس ما فهمه الدكتور المذكور ..
فمنهم من استدل به على حرمة حلق اللحية كما قال الكاساني في بدائع الصنائع(2/141) : "ولأن حلق اللحية من باب المثلة لأن الله تعالى زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب، على ما روي في الحديث: ((أن لله تعالى ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب)) ".
ومنهم من أورده مستدلاً به على وجوب الدية كاملة في حلق اللحية!!
فقد قال في البحر الرائق: " لأن اللحية في أوانها جمال فيلزمه كمال الدية كما لو قطع الأذنين الشاخصتين، والدليل على أنه جمال قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن لله ملائكة تسبيحهم: سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالقدود الذوائب)) بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به الجمال" .
وانظر المبسوط للسرخسي(26/72) ، وبدائع الصنائع(7/312).
الخلاصة : أن الحديث موضوع مرفوعاً وموقوفاً ، ولا يجوز الاستدلال به على جواز حلق اللحية بل إن صح فهو دليل على حرمة حلق اللحية .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: أبو عمر أسامة العتيبي